شراع
نحو مزيد من الانحدار!
في زاوية أخرى من مشهد تقلب فيه القوى الامبريالية الاستعمارية الغربية صفحات تاريخها الاستعماري، وتحسب عدد الصفعات التي تلقتها جراء عملها غير الأخلاقي، تجد جامعة الدول العربية العتيدة اليوم نفسها في حصار أخلاقي يحكمه ذلك الإصرار المدهش على سياسات طائشة ومواقف رعناء وقرارات متخاذلة داعمة لمخططات تلك القوى، وماضية ـ آمنة مطمئنة ـ في فنون تسوُّل الحروب وجر الويلات والعاهات المستديمة لشعوب أمتها، عابثة وغير عابئة بما آلت إليه الأوضاع في المنطقة من تشرذم وتناحر وتطاحن طائفي وفقر وبؤس وبطالة.
هو التكرار الممل والكارثي لصرخة الخراب والدمار، فبعد أن أسهم (بيت العرب الافتراضي) في تدمير العراق وسلخه عن الجسد العربي، وبعد أن سلم القوس للقوى الامبريالية الاستعمارية لترمي بسهما الغادر ليبيا، ها هي جامعة الدول العربية تعيد تسليم القوس مجددًا لتلك القوى لتصوب سهمًا غادرًا مسمومًا نحو سوريا، بل ومُحاوِلةً أيضًا تهيئة الأجواء وتعبيد الطرق وتسخير كل الظروف المواتية لعملية إطلاق السهم لنحر الشعب السوري تحت ذرائع واهية وفبركات كاذبة وقصص وسيناريوهات تجيد صناعتها ونسجها المخيلة والذهنية العربية، بل إنها أصبحت علامة مسجلة باسم "الربيع العربي"، في تأكيد واضح على أسباب المستعمر البريطاني التي قادته إلى إنشاء هذه الجامعة العتيدة التي غدت تحمل الهوية العربية شكلًا وتمارس أدوارًا غربية مضمونًا.
من نافلة القول إن القوى الامبريالية الاستعمارية برهنت ولا تزال على سقوطها الأخلاقي ووصول سياساتها خاصة تجاه شعوب المنطقة إلى أدنى درجات الانحطاط، وترسيخ النظرة النمطية إلى هذه الشعوب على أنها مجرد مخلوقات سُخِّرت لخدمة العرق الغربي الذي يتفوق عليها في كل شيء، وأن ما تملكه هذه المخلوقات من ثروات ومقدرات حُكْمًا يجب أن يكون مسخَّرًا له، ولكن ـ للأسف ـ ورغم هذه النظرة الدونية والانحطاط الأخلاقي، تصر جامعة الدول العربية على تشبثها وتعلقها بأطراف جلباب الغرب الامبريالي وتحاول أن تتفوق على نفسها في الخضوع لإرادته ونزواته، بما عمق الانطباع أنها ترى في ذي العيون الملونة زوجًا أبديًّا على الطريقة الكاثوليكية، أو سجانًا معشوقًا على طريقة (متلازمة استكهولم).
لقد انطفأت الأنوار وأنزلت الأستار على مشهد هذه الجامعة العتيدة وهي تعقد اجتماعها الأخير الذي قدمت موعده بيومين من أجل تأييد قرار الرئيس الأميركي باراك أوباما بشن العدوان على سوريا وأخذ موافقة الكونجرس عليه، فبدا الأمر كمزاد تفوح منه رائحة الخيانة والعمالة، مزاد من أجل حفلة دم مجنونة تسلية للراقصين من ميليشيا "جبهة النصرة" وأخواتها الإرهابيات على جثث الضحايا الأبرياء السوريين والمدعومين من قوى التآمر والتخريب.
وكما تقدمت جامعة الدول العربية القوات الأنجلو ـ أميركية الغازية للعراق بمواقفها الشائنة وسكوتها المخزي، ومثلما كانت نشرة جوية لأمطار قذائف الطائرات الحربية لحلف شمال الأطلسي "الناتو" على ليبيا، ها هي تزاحم صفوف القتلة والإرهابيين وصواريخ كروز وتوماهوك في سوريا، مصرة على مواصلة دورها المدمر لسوريا وشعبها منذ تفجر الأزمة وإلى الآن، حيث تظن أن مسرح العدوان أصبح مهيأ بعد قراراتها بفرض العقوبات الاقتصادية الظالمة على الشعب السوري وقتل الآلاف وتشريد الملايين وتدمير البنية التحتية بيد عصابات الإرهاب والمرتزقة والتكفيريين وآكلي لحوم البشر، وشراكتها في ذلك مع حلفائها المتآمرين.
بالأمس ـ الذي ليس ببعيد ـ وبعد سقوط العراق بيد المستعمرين الجدد، عاتبهم داعموهم من العرب على أنهم سلموا العراق لإيران، فهل سيعاتبونهم غدًا على أنهم سلموا سوريا لعصابات تنظيم القاعدة الإرهابي ومشتقاته والمرتزقة والتكفيريين؟.. وهل من وصف آخر لما يحدث إلا بـ(تلون حرباوي) يجسد تنصلًا بيِّنًا من المسؤولية، وتبعية ذيلية بذات القدر وذات المقاس الذي عليه القوى الامبريالية الاستعمارية من الأخلاق والسلوك، يؤكدهما تلك الإفرازات الخبيثة والفضلات النتنة على الأرض السورية الطاهرة؟!!
خميس بن حبيب التوبي
khamisaltobi@yahoo.com أعلى
العين .. الثالثة
رحلتي لسويسرا .. التأشيرة (1)
سوف نخصص يوم الأربعاء من كل أسبوع عن مشاركاتنا في حلقة العمل حول تحديات العصر في الاقتصاد والتنمية المستدامة التي أقيمت في لوزان السويسرية مؤخرا لمدة ستة أيام، فما جرى فيها من حلقات عمل ومناقشات وحوارات جديرة بأن تنقل للرأي العام وصناع القرار للوقوف على طبيعة الفكر الاقتصادي العالمي الجديد الذي يؤسس على أنقاض تداعيات الفكر القديم الذي لم يعد يضمن الاستقرار لكبرى الدول العالمية، فكيف تتمسك به دولنا العربية خاصة ودول العالم الثالث عامة، ومن الأهمية بمكان معرفة، كيف يفكر العالم لمواجهة تداعيات النظام الاقتصادي العالمي التقليدي من أجل إيجاد التوازن للاستقرار والأمن المفقودين، ومن ثم، كيف ينبغي للقيادة السياسية العربية أن تتبنى الفكر الجديد عبر سياسات واستراتيجيات عاجلة، وقد أحسنت بعض الوحدات الحكومية في بلادنا صنعا عندما أوفدت شخصيات رفيعة من درجة وكيل وزارة ومديري عموم ومستشارين للمشاركة في هذه الحلقة، وذلك بدعم وزارة الخدمة المدنية، وقد أكدت لنا الحلقة أهمية حضور عماني أوسع، وعلى مستوى الرجل الأول في كل وزارة، لأن طبيعة المرحلة الراهنة ببعديها الوطني والعالمي تحتم الوعي الرفيع لكل النخب، ولأن تطبيق الفكر الجديد في بلادنا ـ أي إدارة التغيير ـ يحتاج إلى تكاتف الجهود وتكاملها على جميع المستويات الحكومية والخاصة، ولأن التطبيق يحتاج كذلك لإقناع صناع القرار بالتطبيق وليس التنظير، لأن هذا الفكر الجديد، قد وجدناه مستشرفا في الأفكار الاقتصادية العمانية، لكن تكمن مشكلتنا مع التطبيق، وبالذات في الممارسات والأفعال القيادية، وهذا سوف نجده من اختصاص الوزراء والوكلاء وبصورة تكاملية أي جميع الوحدات الحكومية والخاصة.
لكن من أين سنبدأ الحديث؟ ربما علينا التدرج في الرواية، وسنبدأ الحديث من البداية، والبداية سوف نجدها من صلالة، إذ لا تزال قصة استخراج التأشيرة لدخولنا أوروبا عالقة في ذاكرتنا، ولم تمحُها روعة جماليات لوزان، ولا مناخها الصيفي الرائع، ومن خلال هذه القصة سوف نتعرف عن فصل جديد من فصول معاناة المواطنين في محافظة ظفار بسبب ثقل الجغرافيا، وقصور البعد السياسي في التخفيف منها، وهي معاناة مالية إضافية غير محسوبة في فاتورة السفر الاعتيادية، لا يتحملها إلا الموطن الساكن في هذا الجزء من الوطن، كما سوف تكشف لنا هذه القصة كذلك عن خلل في تطبيق أهم مبدأ من مبادئ العلاقات الدولية، وهو مبدأ المعاملة بالمثل، فمن المسؤول عن هذه المعاناة وعن هذا الخلل؟ وهذه الإشكالية نوجهها مباشرة إلى وزارة الخارجية في بلادنا، فمن يرغب من مواطنينا "مثلي" السفر إلى إحدى الدول الأوروبية، فعليه الذهاب إلى مسقط مرتين، إذ لا تعطى التأشيرات في الحال وهذا يتطلب قطع تذكرتي سفر إلى مسقط، وحجز فندق، واستئجار سيارة، وتخصيص مبالغ للمعيشة، ودفع أكثر من (35) ريالا عمانيا لكل تأشيرة، فكم من مبالغ مالية سوف يدفعها المواطن من جراء ذلك؟ وكيف لو كان طالبو التأشيرة عائلة كاملة؟ فلو كانوا كذلك، فعليهم حملهم إلى مسقط ذهابا وإيابا؛ أي تخصيص ميزانية خاصة لاستخراج التأشيرة إذ تشترط السفارات الأوروبية الحضور الشخصي، فالمبلغ سيتراوح عندئذ ما بين (500ـ1000) ريال حسب متوسط عدد الأسرة الواحدة، وهذه مبالغ إضافية "استثنائية"، هل يجب أن يدفعها المواطنون في ظفار أم أنه ينبغي على وزارة الخارجية أن تجد لنا آلية مريحة تخفف عنا هذه المعاناة المالية والزمنية، كافتتاح مكتب موحد للاتحاد الأوروبي في صلالة؟ وقد وجدنا في السفارة الهولندية في قاعة الانتظار شخصيات عمانية رفيعة المستوى تنتظر دورها، وقيل لنا إنه حتى الوزراء والسفراء يستوجب عليهم الحضور إلى السفارات الأوروبية من أجل التأشيرة، فهل هذا الشرط تطبقه وزارة الخارجية في بلادنا على الأوروبيين مهما كانت مستوياتهم الوظيفية انطلاقا من مبدأ المعاملة بالمثل الذي له ارتبط بمبدأ السيادة؟ تساؤل موجه للوزارة السالفة الذكر في ضوء ما علمنا من بعض الأشقاء الخليجيين أن بلدانهم قد تمكنت من إيجاد المساواة، بحيث تعطى لهم التأشيرة حتى وهم في الطائرة أسوة بالأوروبيين، فلماذا لا نكون مثلهم؟ وكيف تشدد السفارات الأوروبية علينا إجراءاتها على عكس بلادنا، وتحملنا أعباء مالية كبيرة؟ ربما يكون إحساسنا بهذه القضية أكثر من غيرنا، فقبل زيارة جنيف فوت علينا فرصة السفر إلى أميركا بسبب تعارض موعد التأشيرة مع مواعيد شخصية لنا، وكذلك، بسبب البعد المالي، فلماذا لا تعاملنا أوروبا مثل ما نعاملهم؟
تلكم مسألة في غاية الأهمية، فلن يحترم الغير مواطنينا ما لم يكن وراءهم جهة تدافع عن مصالحهم، وتسعى لهم إلى إيجاد اعتداد عالمي بذواتهم الفردية، فالاعتداد بهم داخليا وخارجيا، هو في حد ذاته اعتداد بالوطن، والعكس صحيح، قديما كان الاعداد بكبار الشخصيات، والآن يبدو أن أوروبا خلقت المساواة، فهل نفرح بها أم نطالبهم بالعودة إلى التشطير؟ لا هذا، ولا ذاك، فالمواطن هو المواطن مهما كان موقعه الوظيفي، فالفرد قد أصبح له شأنا عالمي لا يقل أهمية عن الدول، بل إنه؛ أي المواطن، هو المعني مباشرة بتجسيد الكيان المعنوي الذي ينتمي إليه، فهل سنسعى الاعتداد بكيانه؟ وهل عدم تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل في إطار علاقات بلادنا الخارجية سوف يجعل الآخرين يحترموننا من تلقاء أنفسهم؟
د.عبدالله عبدالرزاق باحجاج
أعلى
باختصار
فرصة ضائعة
كانت فرصة في محلها لو أن العرب عرفوا الاستفادة منها، بل هي إحدى المراحل التي لا تتكرر. كان المطلوب إجماعا عربيا على الوقوف إلى جانب سوريا في مواجهة مخاطر العدوان الذي خف الحديث عنه لكنه يظل هاجسا، نفترض أن بقاء الاستعداد لمفاجآته من محاسن الفطن.
لم توفق جامعة الدول العربية كعادتها في تثمير المرحلة، بل وقفت كعادتها إلى جانب الظالمين، إن لم نقل إلى جانب الإرهاب. ولهذا السبب يردد المسؤولون السوريون كلما سئلوا عن جامعة الدول العربية "وأين هي؟!". بل أين أصبحت بعدما انكشفت تماما أمام شعوب العرب بأنها إلى جانب المعارضة السورية؛ أي مع الإرهاب. وبالإمكان الجزم أن لا أمل من هذا المقام العربي الذي لم يكن على غنى في معنوياته تجاه أمته. في وقت لعبت فيه الأمم المتحدة أحيانا دورا تحسد عليه تجاه بعض الوضع العربي الشديد الخطورة، كما فعل بطرس غالي إبان الاعتداء على لبنان، والأقرب إليه كوفي أنان، وكما هي محاولات رالف بانش الذي قتله الإسرائيليون عام 1948 لأنه انحاز إلى جانب العرب في القضية الفلسطينية، ومثله همرشولد.
ضاعت الفرصة أمام العرب في وقت كان يمكن فيه تعديل صورتهم أمام أنفهسم وأمام العالم. أليست المواقف المؤثرة وليدة حالات كالتي تمر بها سوريا، كيف يتجرأ بعض العرب من اتهام النظام السوري بأنه استعمل السلاح الكيماوي، فيما أكدت معلومات موثوقة أن طرفا عربيا هو من مد المسلحين السوريين بالسلاح الكيماوي الذي انفجر بهم أثناء محاولات تركيبه، فما كان منه إلا أن قتل الكثير منهم، إضافة إلى الأهالي السوريين الذين تواجدوا ضمن محيطهم. بل إن الصواريخ الاستطلاعية الروسية كانت قدمت شهادات موثقة ومصورة برمي المسلحين صاروخين كيماويين على الأهالي والجيش معا، لكن أحدا من الأمم المتحدة لم يأخذ التقرير بعين الاعتبار نتيجة الموقف المسبق من الأزمة السورية، أو نتيجة الميول لجانب هذا أو ذاك.
ضاعت الفرصة إذن، تاه العرب من جديد وسط عواصف التفاصيل المرسومة .. منهم من يخاف الولايات المتحدة وهم كثر، ومنهم من يقدم للولايات المتحدة ما تحتاجه من إمكانيات، ومنهم من ينتظر دورا كبيرا في مشروع المرحلة القادمة. لكن الحكمة التي كانت مطلوبة من العرب، تم إضاعتها هي الأخرى، وقيل في هذا الصدد إنها لم تكن موجودة أصلا كي تلعب دورا.
على كل حال ليست هي المرة الأولى التي يضيع فيها العرب فرصا كهذه، إذ من المؤسف أن منهم من تاه وضاع وسيظل يلعب في ملعبه الخاص الرافض للحقائق التي تصنعها سوريا الدولة والنظام. تلك العداوة التي باتت مفهومة وتقاد اليوم بسرعة الصاروخ على أمل تطيير الدولة السورية بكافة السبل ورسم مشروع جديد على جثتها.
لكنه يظل سرابا، وها هو زعيمهم الأميركي يفتش عما يغسل ماء وجهه أمام العالم بعدما قدم استعراضا استغربه الأميركيون الذين يعرفون أن رؤساءهم يفعلون ما يقررون .. ومع ذلك أعتقد أن أوباما كان عاقلا حين حمى بلده وشعبه وشعوبا أخرى وربما كيانا يأنس إليه حين وضع تصوراته الأخيرة بشأن علاقة الدولة السورية بالسلاح الكيماوي.
زهير ماجد
أعلى
تجليات ثقافة المؤسسين في الساسة الأميركيين
فريق المحققين لم يكمل مهمته التي جاء من أجلها، وغادر دمشق بعد انتهائه من جمع العينات المتصلة بضربة 21 آب/ أغسطس 2013 وكأنه إنما وصل قبل يومين من وقوعها ليحقق فيها فقط وليس للقيام بالمهمة الأصلية التي كلف بها من الأمم المتحدة. ومن الغفلة بمكان ألا نقرأ في هذا التصرف ما يشير إلى ترتيب غربي خبيث مع المعارضة السورية الأداة والمنظمة الدولية الأداة لإتمام فعل وتضخيمه إعلاميًّا وسياسيًّا والبناء عليه والانطلاق منه لعدوان غربي ـ صهيوني بمشاركة وتمويل ومباركة عربية، لتدمير سوريا الجيش والدولة.
يحار المرء، حين يلجأ إلى النهج الموضوعي الخالص، في تفسير السلوك الأميركي وفهم مقاصد ومنابت المرجعيات وسلامة المعايير والقيم التي يتحدث عنها المثقف الأميركي ويعتز بها الساسة الأميركيون على الخصوص.. فالسياسي الأميركي وحتى المثقف العضوي في ذلك المجتمع البالغ الهُجنة يتحدثان عن مسؤولية إنسانية وأخلاقية وحتى قانونية تلزم الولايات المتحدة الأميركية القيام بأعمال عسكرية في العالم يريانها "إنسانية"، وربما تكليفًا إلهيًّا مقدسًا كما هي حال الرئيس الأسوأ في تاريخ الدولة جورج بوش ومنظري اليمين المتطرف الذين عملوا معه وناصروه.. فمن حيث المنطق والقانون وحكم العقل والضمير كانت تلك الأعمال والممارسات عدوانًا وحشيًّا وإبادة جماعية وإرهاب دولة وغطرسة عنصرية فظيعة وخدمة للمصالح الأميركية ترقى إلى مراحل التقديس هلى حساب الدول والشعوب.
اليوم تعد الإدارة الأميركية لعدوان ضد سوريا، متهمة إياها باستخدام السلاح الكيمياوي في الغوطتين يوم 21/8/2013، وتذهب الدولة ذات التاريخ الأسود في العدوان والممارسات الإرهابية وتجاوز المؤسسات والقوانين الدولية وكل ما يتصل بحوق الإنسان إلى شن عدوان إجرامي يهدم أسس القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني وميثاق الأمم المتحدة، ويلغي دور هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، ويشيع مزيدًا من الفوضى والاقتتال في المنطقة وفي العالم، ويهدد الأمن والسلم العالميين ويرمي إلى تدمير دولة وشعب، لتحقيق هدفين رئيسين معلنين على لسان الرئيس أوباما هما حماية إسرائيل وحلفاء الولايات المتحدة الأميركية والدفاع عن المصالح الأميركية وهيبة الدولة الأعظم وعن مكانتها في العالم..؟!! وكل أميركي غير مصاب بمرض الشيزوفرينيا هذا يدرك أن دولته التي تدعي أنها تحارب الإرهاب ستكون حليفًا للإرهاب في عدوانها على سوريا وستمارس إرهاب الدولة بأبشع صوره، تعزز العنصرية الصهيونية البغيضة وممارساتها، وتقوض فرص الحلول السياسية للأزمة السورية التي تدعي أنها تعمل مع روسيا الاتحادية عليها.. وهذا الفعل يدخل بجدارة في دائرة الجنون المطبق والنفاق السياسي المكشوف، من وجهة نظر المنطق السليم وروح القانون وحكم المراقب الموضوعي السليم الرؤية والتفكير والمعايير.
لا يمكننا مقاربة السلوك الأميركي بهدف فهمه من دون مقاربة سريعة جدًّا لمعرفة مفاصل رئيسة في تاريخ تلك الدولة وممارساتها العدوانية على الصعد السياسية والاقتصادية والإنسانية، منذ تأسيسها والحروب العنصرية والعدوانية التي شنتها على الهنود الحمر والزنوج وعلى دول وشعوب في العالم.. ومن دون مقاربة أسباب وأسس ومقومات الغطرسة والتعالي العنصري الكامن في التكوين الثقافي والنفسي والاجتماعي والعقائدي التلمودي للأميركي صاحب القرار.
فمنذ وطئت أقدام "الآباء المؤسسين" أرض القارة الجديدة بدأت حرب إبادة ضد سكان البلاد الأصليين، وذهب ضحية تلك الحرب أكثر من خمسة وخمسين مليونًا من الهنود الحمر صفاهم أبناء العم سام ودمروا حضارتهم في حرب كانوا يخوضونها بمفاهيم عنصرية تلمودية دموية.. فهم هناك كانوا يحاربون الكنعانيين"؟!؟" كما حارب يوشع بن نون ومن جاء بعده من اليهود الكنعانيين العرب في فلسطين، وهم أصحاب البلاد الأصليون ليقيموا على أنقاض وجودهم دولة.. ومن لم يقرأ شيئًا عن تلك الإبادة والثقافة التي شرعتها وسوغتها، وعن خروج اليانكي لصيد الهنود الحمر وعن مآسي من تبقى منهم ممن رحِّلوا فيما عرف بطريق الدموع مسافة ألفي كيلو متر عبر أراضي البلاد ليوضع من يصل حيًّا منهم في متحف بشري.. من لا يعرف ذلك أو بعضًا منه قد لا يتصور مدى إجرام الآباء المؤسسين للولايات المتحدة الأميركية الذين رفعهم انتصار الجريمة إلى مرتبة التقديس، ولا ما أسس له ذلك من جرائم نسلهم من بعدهم التي طالت شعوبًا كثيرة. أما حكاية الزنوج واستعبادهم والاتجار بهم وسلخ جلودهم وممارسة التفرقة العنصرية ضدهم، فتلك شواهدها أقرب إلينا وبعض ممثليها ورموزها ومن ناضل ضد العبودية والمستعبدين من الزنوج وعلى رأسهم مارتن لوثر كينج فمعروفة نسبيًّا وماثلة اليوم في الولايات المتحدة الأميركية بانتصار رئيس من أصول زنجية ـ إفريقية يتقاتل في داخله الإنسان الطيب والثقافة ـ التربية السياسية المؤسساتية الشريرة في الولايات المتحدة الأميركية: عملاق الشر والبطش والإرهاب الدولي في العالم أجمع.. وهي دولة لا تستطيع أن تخفي تاريخًا شديد السواد للأميركي العنصري المجرم الذي ما زال يمد ظلاله القاتمة على العالم.
وفي تشطيبات سريعة لتوضيح بعض معالم المشهد الإجرامي للدولة العظمى بحق دول وشعوب، لا سيما منذ العالمية الثانية نشير إلى الآتي: استخدام القنابل الذرية في هيروشيما وناجازاكي في سابقة تاريخية، استخدام السلاح الكيمياوي ضد الفيتناميين في حرب سقط فيها أكثر من مليوني فيتنامي وهو سابقة أيضًا، الحرب المدمرة التي أشعلتها بين الكوريتين حيث كانت طرفًا فيها، تدمير أفغانستان الدولة والمجتمع، وتدمير العراق الحضارة والجيش وقدرات الشعب ولحمته التاريخية بذرائع السلاح النووي، وهي ذرائع كاذبة تمامًا، ممارسات الدولة العظمى غير المسبوقة في الإساءة لحقوق الإنسان ولكل قيمة إنسانية وخلقية وروحية في سجون: جوانتانامو وأبي غريب وباجرام وفي السجون الطيارة الأخرى التي أقامتها في بلدان عدة، نهب اللص الأميركي الكبير لثروات شعوب كثيرة وعدوانه عليها لا سيما في دول أميركا اللاتينية، وقوف الدولة التي تتاجر بالقيم والإنسانية والحرية وتقرير المصير..إلخ ضد حقوق الشعب الفلسطيني الذي طالت معاناته، مؤيدة بذلك الإرهاب والاحتلال والعنصرية المؤسسة للعنصريات عبر العالم عنصرية إسرائيل والحركة الصهيونية في قلسطين العربية المحتلة.. إلخ. وجرائم الولايات المتحدة الأميركية أكثر من أن تحصى، ولذا لا يمكن النظر إلى سلوك هذه الدولة إلا بوصفها قاطع طريق خارجا على القانون والقيم والأخلاق، يملك من القوة ووسائل الإفساد ما يجعله إرهابيًّا خطرًا على القوانين الدولية وعلى العدل والحق والقيم وسيادة الدول، ومن ثم على الأمن والسلم الدوليين والثقة أو الاعتماد المتبادل الذي ينبغي أن يقوم بين الدول والشعوب على أسس الخير لخدمة الإنسان والحضارة.. وهذا التاريخ الأسود لا يؤهل الولايات المتحدة الأميركية إلا لصفة إرهابي مجرم عابر للقارات مالك للمال والسلاح، ويهدد بالقوة كل من يخالفه ولا يخضع لإرادته وهيمنته وابتزازه وغطرسته.
في مسوغات الإدارة الأميركية للقيام بعدوان مباشر على سوريا "استخدام النظام للسلاح الكيمياوي في الغوطتين الأمر الذي أسفر عن إصابة 281 شخصًا بغاز السارين"، مكتفية بما وضعته "أجهزتها وأدواتها" من معلومات وتقارير للوصول إلى اتهام سوريا بصورة قاطعة واتخاذ القرار الرئاسي بتوجيه صربة لها.. وتثق واشنطن بأن تقارير استخباراتها وما توفر لديها من أدلة يكفي لاتهام سوريا ومعاقبتها، وأنها بنت قرارها بتوجيه ضربة عسكرية لسوريا على ذلك مكتفية بما لديها من أدلة. وهي لا تريد أن تنتظر نتائج عمل المحققين الدوليين الموجودين في دمشق إبان الضربة الكيمياوية ("ضربة 21 أغسطس ـ آب 2013") في الوقت الذي طلب فيه وزير خارجيتها جون كيري من وزير الخارجية السورية وليد المعلم أن تسمح سوريا لهم بالتحقيق فيما جرى في الغوطتين، ويبدو أنه كان ينتظر عدم موافقة سوريا على ذلك ليعزز موقف بلاده ويزيد من ضورة التدخل العسكري، لكن سوريا وافقت على الطلب، رغم أن مهمة المحققين الأصلية المتفق عليها بين الأمم المتحدة وسوريا لم تكن تتضمن التحقيق بذلك الذي حدث بعد وصولها إلى دمشق.. وألح كيري في طلب واستجيب له.. لكن دولته سارعت إلى اتهام سوريا والإعلان عن تكوين تحالف ضدها وتوجيه ضربة عسكرية لها قبل أن ينهي المحققون جمع عينات من المواقع في الغوطتين "المعضمية وزملكا وجوبر وغيرها"؟! وقالت إنها متأكدة من أن الجيش العربي السوري هو الذي وجه الضربة الكيماوية، مع أنه المتضرر منها حيث هو في حالة تقدم عسكري في أماكن وقوعها مما لا يحتاج معه لاستخدام سلاح من ذلك النوع حتى إذا ملكه هذا من جهة، ولأنه يضر به وبعناصره البشرية والمناطق التي يسيطر عليها منجهة أخرى!!
لقد قامت روسيا الاتحادية بتحقيق في خان العسل والغوطتين، وقالت إنها لا تحمِّل سوريا المسؤولية عن استخدام السلاح الكيماوي وإنما تحمِّل ذلك للمعارضة المسلحة.. وإذا وضعنا التقريرين الروسي والأميركي بمواجهة بعضهما بعضًا للمقارنة وجدنا أنفسنا أمام معطيات متضاربة وتقارير تتفاوت مصداقيتها، ووجدنا أيضًا أن حجج التقرير الروسي منطقية وهي أقوى بكثير من حجج التقرير الأميركي الذرائعية.. إن التقريرين يتفقان على أن الكيماوي قد استخدم في الغوطتين ولكنهما يختلفان حول من استخدمهما، فالروس يتهمون المعارضة المسلحة والأميركيون يتهمون الدولة السورية.. وفي هذه الحالة من المنطقي انتظار تقرير لجنة التحقيق الدولية وتحقيق المنظمة الدولية وقرار مجلس الأمن الدولي لتحديد الفاعل ومعاقبته.. هذا إذا كانت هناك عدالة تهمها الحقيقة وتستهدف الفاعل الذي ينبغي ألا ينجو من العقاب.. لكن الأمور عند راعي البقر ذي التاريخ الإجرامي الأسود ليست كذلك، فهو يقرر الذهاب إلى العدوان من دون تردد بناء على معطيات واهية ومعلومات استخباراتية لأنه يبحث عن ذرائع ولا تهمه الأدلة القاطعة والدامغة، ومن ثم الحقيقة والعدالة. فريق المحققين لم يكمل مهمته التي جاء من أجلها، وغادر دمشق بعد انتهائه من جمع العينات المتصلة بضربة 21 آب/ أغسطس 2013 وكأنه إنما وصل قبل يومين من وقوعها ليحقق فيها فقط وليس للقيام بالمهمة الأصلية التي كلف بها من الأمم المتحدة. ومن الغفلة بمكان ألا نقرأ في هذا التصرف ما يشير إلى ترتيب غربي خبيث مع المعارضة السورية الأداة والمنظمة الدولية الأداة لإتمام فعل وتضخيمه إعلاميًّا وسياسيًّا والبناء عليه والانطلاق منه لعدوان غربي ـ صهيوني بمشاركة وتمويل ومباركة عربية، لتدمير سوريا الجيش والدولة، من قِبَل تحالف شرير مكشوف تقوده دولة الإرهاب الأولى في العالم... الأمر الذي يشير بوضوح إلى طبيعته الهمجية الغوغائية من جهة وإلى تدبير وتواطؤ منظمين لا يخلوان من تآمر وغباء مستحكم، يدخل فيه ترتيب إطلاق السلاح الكيماوي في الغوطتين بمعرفة أجهزة خارجية والعمل على استثماره بتهييج سياسي وإعلامي، للقضاء على الجيش العربي السوري وتدمير الدولة السورية تحت شعار "عمل إنساني أو الدفاع عن الشأن الإنساني" ومنع استخدام أسلحة الدمار الشامل التي كان أول من استخدمها هو الأميركي، وهو من يملك أعظم ترسانة نووية وكيماوية وجرثومية في العالم أجمع؟!!
سيعرض الرئيس أوباما موضوع التدخل العسكري المباشر في سوريا على مجلسي الكونجرس، في خطوة منه لتوسيع دائرة تحمل المسؤولية ومراعاة ما يترتب على ضربة يقول إنه يريدها محدودة، لكنه يدرك أنه يمكن أن يتحكم ببدايتها ونطاقها، ولكنه لا يمكن أن يتحكم بسيرورتها ولا نهايتها ولا بما تتوسع فيه دوائرها في دول المنطقة ولا بردود الفعل الدولية على ذلك.. إنه يسير الآن في ثلاثة محاور متزامنة: إقناع مجلسي الكونجرس، وتجميع حلفاء للقيام بعمل عدواني خارج نطاق مجلس الأمن الدولي، واستكمال الحشد العسكري والترتيبات العدوانية.. ومن الطبيعي أن يتواكب ذلك مع استطلاع ما يقوم به المستهدَف بالعدوان ومن يناصرونه ويقفون معه.. وأن يتم الوقوف كذلك على ردود فعل الرأي العام في الداخل والخارج لقراءة الحدث ومدى تفاعلاته من زوايا مختلفة.
إننا لا نستبعد موافقة مجلسي الكونجرس، ولا استمرار تحالف واشنطن وباريس وأنقرة ودول عربية معروفة، ولا إمكانية زج حلف شمال الأطلسي ولو بصورة ما وبمقدرة ما في العدوان، بعد أن أعرب اندرس فوج راسموسن من بروكسل في 2/9/2013 "عن اقتناعه بأن النظام السوري استخدم أسلحة كيميائية ضد شعبه، وأنه "ينبغي ان يرد المجتمع الدولي بقوة لتجنب الهجمات الكيميائية في المستقبل". و"أنه على حلف شمال الأطلسي أن يحمي جناحه الجنوبي الشرقي".. وهو يعني تركيا، وكأن تركيا مهددة من سوريا التي تعاني من تركيا ما تعاني.. وهذا عجيب.!! إن كل ما نعلق عليه الأمل والأهمية هو قدرة جيشنا ووحدة شعبنا، وثبات مواقف حلفائنا ومن يناصروننا في ضد هذا العدوان، وستكون مواقف جماهير أمتنا العربية وأحرار العالم الذين يرفضون العدوان سندًا لنا وبلسمًا.. ولا نشك في أنه حان الوقت للدول ذات الحضور والمبادئ والقوة والموقف والرأي في الأوضاع الدولية.. لكي تعبر عن ذاتها ومصالحها ومصالح شعوب العالم، ولكي ترسخ تغييرًا وتحدث توازنًا في السياسة الدولية، وتفرض احترام القوانين والمواثيق والمنظمات الدولية، وتلجم إرهاب الإمبراطور وإرهاب اللصوص وذوي النزوع الاستعماري والعنصري البغيض والذرائعية غير الأخلاقية.. فقد ضاق العالم ذرعًا بالظلم والقهر والحرب والتهديد واستبداد القوة الغاشمة، وبكل ما نتج وينتج عن ذلك من مآسٍ وأوضاع تثير التوتر والقلق والفتن وتقضي على الأمن والسلم، وقد تحملنا نحن في البلاد العربية والإسلامية عامة وفي سوريا بصورة خاصة من ذلك كله ومن الأميركي وحلفائه وعلى رأسهم الصهاينة ما لا يُطاق وما لا يمكن أن يستمر ويُحتَمَل.. وقد آن أوان رفع الظلم والقهر والاستبداد والتهديد بكل ألوانها وأشكالها وصورها ومظاهرها من أية مصادر جاءت أو كانت لكي يعيش الناس بأمن وتُفتَح أمام الأجيال القادمة كوى المستقبل بثقة وأمل.
علي عقلة عرسان
كاتب وأديب سوري
أعلى
حديث الضربة
هناك أيضا عامل مهم يؤخذ في الاعتبار وهو أن "حديث الضربة" لفترة يعد جزءا من التعبئة وينهك الحكومة السورية في توقعها لها وحساب مداها وربما يقلل من أهمية أي رد فعل سوري. وبغض النظر عن المناخ الشعبي العام في الغرب والعالم الذي قد يعارض الحرب (ففي النهاية احتل العراق رغم المعارضة الشعبية في الغرب) فإن طول فترة الحديث عن الضربة واحتمالات مداها لا شك سيهيئ هذا الرأي العام لها ولاحتمالات تطورها.
رغم التهليل من جانب سوريا وحلفائها لانتصار ما يبرره ما بدا من تردد أميركي في توجيه ضربة صاروخية لسوريا بسبب اتهام الحكومة باستخدام أسلحة كيماوية في حربها ضد المتمردين عليها، فإن الواقع يشير إلى أن الضربة آتية لا شك بغض النظر عن التوقيت والحسابات والتكهنات والتحليلات والتسريبات. أما سبب الجزم بتوجيه الضربة فهو بالنسبة لي بسيط جدا: الصواريخ التي تم دفع كلفتها مقدما لا بد وأن تطلق ـ مع كل التقدير للعوامل الأخلاقية والإنسانية والحقوقية والقانونية والسياسية الدولية ... الخ.
هناك عدة تفسيرات لماذا لجأ الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى طلب تصويت من الكونجرس على ضرب سوريا رغم أنه ليس بحاجة لذلك كقائد أعلى للقوات المسلحة الأميركية. التفسير السوري، والمعارض للضربة عامة، هو التردد من جانب رئيس من الحزب الديمقراطي، خاصة بعدما رفض مجلس العموم (البرلمان) البريطاني التصويت لصالح مشاركة لندن لواشنطن في ضرب سوريا كما طلب رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون. واستدعي في التفسير أيضا أن حروب أفغانستان والعراق ما زالت ماثلة في أذهان الأميركيين، وهذا ما جعل كثيرين يتشككون في الأدلة التي يقدمها البيت الأبيض لتبرير عمل عسكري ضد سوريا. وكثرت التحليلات التي تشير إلى أن الرأي العام معارض لأي حرب في وقت يعاني فيه الناس من أزمة اقتصادية ممتدة.
وربما يكون كل ذلك صحيحا، خاصة وأن كثيرا من استطلاعات الرأي في الأيام الأخيرة تؤكد أن الناس في الغرب لا تريد حربا. وحسب استطلاع نشرت الواشنطن بوست نتائجه، يعارض الأميركيون الحرب في سوريا بنسبة 50 إلى 42، وحتى فيما يتعلق بضربة محدودة لا تجد تأييدا كبيرا (50 مع مقابل 44 ضد الضربة). لكن الأهم في نتائج الاستطلاع أن نسبة 21 في المئة فقط تعتبر التدخل يحمي مصالح الولايات المتحدة، ولا تزيد نسبة من يرون التدخل يمكن أن يحسن الوضع في سوريا عن 27 في المئة. يضاف إلى كل ذلك طبعا صعوبة الحصول على قرار من مجلس الأمن بضرب سوريا مع معارضة روسيا والصين وإمكانية استخدامهما حق الفيتو، كما أن موضوع "الكيماوي" ذاته ليس مقنعا تماما والناس ما زالت تتذكر كذبة "أسلحة الدمار الشامل العراقية".
أما مسألة مشاركة بريطانيا من عدمها، فهي لا تعني الكثير إلا في "الشكل" فقط لأنه عمليا لا تملك بريطانيا قدرات عسكرية كبيرة على أي حال. ثم إن هناك دولا راغبة في مشاركة الولايات المتحدة أي حرب على سوريا وتحديدا فرنسا التي ترى أن موقف رئيسها السابق جاك شيراك بعدم المشاركة في غزو واحتلال العراق مع أميركا وبريطانيا أفقدها فوائد مادية كبيرة من دول الخليج. فإذا كانت مسألة الأدلة يمكن حلها بدوسيه مثل "دوسيه" توني بلير الشهير حول أسلحة العراق، وإذا كانت أغلب الدول العربية ـ والخليجية منها خصوصا ـ مع ضرب سوريا ومسألة تحالف غربي يمكن تدبيرها بشكل ولو مظهريا وكلفة الضرب متوفرة كما حدث في ضرب ليبيا من قبل حلف الأطلسي، فلماذا التردد والتأجيل وإشراك البرلمانات في قرار يمكن للزعماء اتخاذه لوجود "ضرورة استثنائية"؟
السبب الرئيسي في تقديري، أن إدارة أوباما لم تحسم مسألة ضرب سوريا ضربة عقابية (على غرار قصف العراق أكثر من مرة في فترة حكم الرئيس الديمقراطي بيل كلينتون في التسعينيات) أم ضربة موسعة تؤدي إلى إسقاط النظام، أو على الأقل تسهيل ذلك على المعارضة المسلحة في سوريا. فضربة صاروخية لعدة مواقع سورية كانت ممكنة وعملية بعد ساعات من التهديد الأميركي ودون حاجة لأي قرارات وتصويت أو تحالفات. لكن يبدو أن اتصالات بين واشنطن وموسكو وطهران (عبر وسطاء) ـ وحتى مع السوريين (مكالمة كيري ـ المعلم) ـ جعلت إدارة أوباما تخلص إلى أن تلك الضربة الخاطفة لن تؤدي إلى نتائج مرجوة. حتى لو كانت تلك النتائج تعني صفقة ما أو تسوية بشكل أو بآخر في سوريا.
هناك أيضا عامل مهم يؤخذ في الاعتبار وهو أن "حديث الضربة" لفترة يعد جزءا من التعبئة وينهك الحكومة السورية في توقعها لها وحساب مداها وربما يقلل من أهمية أي رد فعل سوري. وبغض النظر عن المناخ الشعبي العام في الغرب والعالم الذي قد يعارض الحرب (ففي النهاية احتل العراق رغم المعارضة الشعبية في الغرب) فإن طول فترة الحديث عن الضربة واحتمالات مداها لا شك سيهيئ هذا الرأي العام لها ولاحتمالات تطورها. لذا يطول حديث الضربة أسبوعين على الأقل حتى يصوت الكونجرس وحتى تنتهي الاتصالات غير المعلنة إما بصفقة أو لا. حينئذ ستكون الضربة، أيا كان مداها ونطاقها، خطوة مهمة على طريق "تغيير النظام" في سوريا ـ وهو ما حذرت منه الصين بالأساس.
في النهاية، هناك ضربة ومع كل التقدير للكلام المعلن، فهي ليست لها علاقة بأخلاق أو قوانين أو حقوق إنسان أو خلافه مما يتشدق به السياسيون لتبرير أفعالهم. وهدف الضربة النهائي هو تغيير النظام. حتى ما يقال عن احتمال مخاوف غربية من أن يكون ضرب سوريا ممهدا لتعزيز جماعات إرهابية ـ وهو ما تحاجج به دمشق ضد الضربة أيضا ـ فليس بمهم كثيرا. فالغرب يدعم وصول الإسلاميين إلى السلطة في المنطقة، من تونس إلى مصر.
د. أيمن مصطفى
كاتب عربي ـ لندن